قبل الأذان بعشر دقائق , دخلت البوابة الكبيرة للمعهد , و لم تكد قدمي تطأ ارضه حتى تسمرتا في مكانهما .
لم اتمكن من مشاهدتها من مكاني , لكن عطرها النفاذ كان أصدق بالنسبة لي من أي صورة , ملئ عبيرها المعهد بأسره .
طبعا لم اجد كما تعودت سابقا حارس البواة الكبيرة أو أي أحد من الأطفال في الباحة أو الممر , فكلهم كانوا بانتظارها , اندفع جسدي باتجاهها , و نسيت قدماي السير , فكانتا تصطدمان ببعضهما , دخلت الممر كالسكران , أصطدم بكل جدار , و أقول كل الكلمات سوية....
كانت قد سبقتني إلى المطبخ و هنالك حيث الجميع و لأول مرة ينتظر الأذان بصمت مطبق .
يتأملونها , يتحسسونها , الجميع و بلا استثناء .........
بدت تدور بينهم كأنها ملاك أرسلت السماء لتبارك صيام الأطفال , تتنقل بينهم , تسحرهم , تفتنهم ....
عند المطبخ بدأت أتأملها بصمت , و جدسدي المتعب بدأ ينهار أمام روعتها , تحاملت على نفسي و ادعيت القوة و الثبات بينما قلبي يتجول في كامل أنحاء جسدي , ساعة يغني و أخرى يشدوا لحن الحياة.....
علاقتي مع الكوسا المحشي متعلقة بتاريخ الإنسانية , و عندما علمت أن افطار اليوم كان الكوسا المحشي بدأت ارقص من فرط السعادة .....
الله أكبر ... الله اكبر ....
جاءت تلك الكلمات لتمم تلك اللوحة و تضيفها إليها الخلود الأبدي ....
و ما ان بدأت الملاعق تعزف النشيد الوطني حتى كانت الصدمة الكبرى ...
الكوسا المحشي .....إنه لا يؤكل!!!!!!!!
ذهل الجميع أمام هذه الحقيقة و احسوا بعظم المؤامرة التي تعرضوا لها , المؤامرة التي استهدفت صورة الكوسا المحشي في أذهان الجميع , حيث دكت يد المخربين الكوسايات البرئية بالرز القاسي دكا , حتى كادت تنفجر و لم تترك للمرق أي مجال كي يدخل إليها . فتحول الرز داخل الكوسا إلى بارود و وضع في وسطه فتيل من لحم غير مفروم , فتحولت تلك العروس الخضراء إلى قنابل حقيقية , حاولت الملاعق , و الأضراس , حتى أصحاب العضلات و لكن هيهات هيهات , يد الجاني قد فعلت فعلها بكل خبرة و احتراف .
هنا كان لابد من التصرف بسرعة فعملت الادارة على البحث عن الحلول بسرعة فاستبدلت سحور يوم غد بفطور اليوم , و أين السحور من الفطور, و لكن الرمد أفضل من العمى و المعكرونة افضل من النوم جوعان........
جمعت الكوسايات في المطبخ .. و أمام هول ذاك المشهد قررت الانسحاب ........بصمت
و السلام